السبت، 16 سبتمبر 2017

تأملات........ تحت المطر//علي حيدر


تأملات ............................ تحت المطر
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
بقلم / علي حيدر

,, ,, ,, ,, ,, ,, ,,
في اُمسـيةٍ بغدادية وفي إحدى الشقق السـكنية بحيّ الكرادة .. رَنّ جرس الهاتف .. فرَفعَ السـماعةَ الفنان ( حسـين نعمة ).. وإذا بصوت صديقِهِ وإبن بلدتِهِ ( الناصرية ) الشـاعر المُبدِع ( جبار الغزّي ) .. يطلب منهُ الحضور الى مركز الشرطة ليتكفلهُ من أجل إطلاق سـراحِهِ .. حيث أن مالك الفندق الذي يسـكنه (جبار) .. قد أقام عليه دعوة قضائية لعدم دفعِهِ الأجرة المتراكمة .. أسـرع / حسين نعمة الى المركز ولم يكتفي بالكفالة وإنما قام بدفع مستحقات الفندق .. بل وأخذ معه (جبارا" ) ليقاسـمهُ السـكن في شـــقّـتهِ .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

قبل مجيئهِ الى بغداد .. كان (جبار) قد أحب فتاة" وبادلته الحبَّ لإنبهارها برســائلِهِ وكلامِهِ معها عـند بابِ مَنزلها حين يجن الليل وفي وقت متأخر .. تغفو فـيه العيون وتهدأ الأصوات ..
ولكن ما حصل أنه حين طلبَ يدها للزواج رفضَ أهلُها . !
وذلك ما لم يتحمله جبار فرحل الى بغداد ينشـد النسـيان .. إلا أنه لم يفلح فمضى يَراعُه يدون أوجاعَه ويترجم أشجانَه ويُظهِر معاناتَهُ :-


( غريبة الروح ..
لا طيفك يمر بيهه .. 
ولا ديرة التلفيهه ..
وغِدَت وَي ليل هِجرانك 
تِرِد .. وِتروح
وعَذّبهه الجفه وتاهت 
حمامة دوح 
وإنت ولا يجي إبّالك
تِمُر مَرّة غُرُب بيهه ؟


وتِفزّ جروح مَحَنّتكم !
غريبة الروح ..

،،،، ،،،،، ،،،،،،

تَرِف ما حَسّـبِت بيَّ
وآنه وغُربِتي وشوكي 
نسولف بيك ليليّة
نكول ايمُر ، نكول ايحن
وتِظل اعيونّه إربَيّة
يا المامش إلك جَيّه ؟
تِـسِـــد . إجروح . مَحَنّتكم !
غريبة الروح ) .

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

إلتـقـتهُ والدتهُ صدفةً بعد سـنين طويلة .. وذلك أثناء سـفرِها من الناصرية الى بغداد لزيارة الإمام الكاظم / عليه السـلام ، وعلى أثر تعطّل السـيارة التي تقلّها .. رأت ولدها وحيدا" .. غريبا" يـبـيع بـبسـطية على رصيف شارع الكرادة .. فعاتـبـتهُ باكـية" :- 
(لماذا . قاطعتـنا . يا ماما ؟ .. 
كم ســنة مَرّت ؟ 
كم عـيد هلّ علينا دون أن نراك ؟ )
لم يثـنِه كلامُها ولا دموعُها مِن البقاءِ في عُزلتِهِ نائيا " عن ديارِ الحبـيـبة التي تؤذيه مشـاهد ذكرياتها أكثر مما هو عليه من التـشـرّدِ في بغداد .
لم يتمكن من الزواج ، كما إن صديقهُ (حسـين نعمة) لا يسـتطع الإستقرار في شــقـتِهِ الى الأبد بحكم سـفرِهِ الذي يضطر أن يقوم به ، لذا أخذت أوضاع ( جبار) تزداد سـوءا" وصِحّتهُ تـتدهور بعد أن عاقر الخمرةَ . وأخذ يبات ليلهُ في الشـارع .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
وبالقرب من جسـر الجمهورية عام (1985) .. كانت الأمطار تغسـل جثة شابٍّ نحيفٍ في التاسـعة والثلاثين من عمرهِ .. لم يتعرّف عليه أحد .. حُمل الى الطبِّ العدلي قبل أن يوارى الى مثواهُ الأخير.

تُرى ماذا دار بخلدِك ياشــاعر الإبداع وأنت تودّع حياتك القاسـية ؟ 
- هل مَرّ بخاطرك شريط ذكرياتٍ .. يحكي فراقك لمدينتِك (الناصرية) .. حيث ملاعب الصبا ، وديار الحبـيـبة ؟
- هل هي كلمات قصائدك :- 
- ( يكولون غـنّي بفرح , وآنا الهموم اغـناي ) 
- و( لوغـيّـمت دنياي ، دنيه إنت أحس بيك ) .. ؟

- هل هي ليالي التشـرُّدِ ومَبـيـتك على أرصفةِ شارع الرشـيدِ ؟
- هل كانت تـتردد باُذنـيك توسّـلات أمّك الباكية و المحرومة منك لسـنين وسـنين ..؟ ..

- هل أتـتكَ الحبـيـبة التي عاتبـتها بشكوى قصائدِك المؤلمة لتختم مُـسـلسـلَ معاناتِك بأصابعها الرقـيقة الناعـمة وهي تغلقُ جفـنـيـكَ بحنانٍ .. و تهـمـس باكية :- 
- ( آن الأوان لترتاح . يانور عـيـني) .. ؟


لا شك أنك ( وقبل أن تنطوي صفحة حياتك الصعبة ) قد أمضيتَ 
لحظاتَك الأخيرةَ .. وأنت تـتأمّل ماضيكَ . 
تلك اللحظاتُ الحرجةُ التي .... إنتهت معها جميعُ تأملاتِك ! .

,, ,, ,, ,, ,, ,, ,, ,,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق